رواية فردوس وعوض بقلم منال سالم كاملة

موقع أيام نيوز

 


في عزا الباشا وده مش أي حد الناس كلها جاية عشان عارفة قيمته كويس فيا ريت نحترم ده.
تلونت بشرته بحمرة طفيفة جراء إحراجه الصريح له وقال حفظا لماء وجهه المراق
أه طبعا بس عشان الأمور تبقى واضحة من الأول بينا.
التزم الصمت بعدها ورغم ذلك لم يستطع التغطية على ابتهاجه الملحوظ للجميع.
لا شك أن الخروج في هذا النهار الحار كان غير موفق بالمرة خاصة مع اقتراب الوقت من الظهيرة وعدم وجود ما يحجب أشعة الشمس القاسېة. تجولت فردوس مع جارتها في منطقتهما الشعبية وهما تحملان من الأكياس ما يكفي لسد احتياجاتهما لأسبوع أو أكثر. توقفت كلتاهما عند إحدى البائعات مالت إجلال على رفيقتها لتهمس لها بشيء في أذنها ثم ابتعدتا عنها وهما غير راضيتان عن بضاعتها الذابلة. مصمصت فردوس شفتيها وأردفت قائلة في تبرم

ما كنا جربنا نجيب حاجتنا من السوق التاني أسعاره أرخص والخضار فيه طازة.
تذمرت رفيقتها على اقتراحها هاتفة
بس مشوار يهد الحيل يا دوسة وأنا مش قادرة ألف.
ردت عليها بتأفف
ما هو البياعين مطلعين عينا.
ضحكت لوهلة وعلقت
هو إنتي يعني بتسكتيلهم ده إنتي أستاذة في الفصال!
ابتسمت لما اعتبرته مدحا وتابعت مشيها معها إلى أن شعرت برأسها يدور توقفت فجأة
مالك يا فردوس إنتي بخير
أخبرتها في صوت أظهر إجهادا غريبا
مش عارفة زي ما يكون دايخة كده والأرض عمالة تلف بيا.
في التو جمعت ما تحمله كلتيهما في يد وحاولت إسنادها من ذراعها بيدها الأخرى لتحول دون وقوعها وطلبت منها في تعجل
طب تعالي هنا عند البقال ترتاحي شوية.
كانتا قريبتان من المحل فسارتا بضعة خطوات
ناحيته وصوت إجلال ينادي بتخوف
كرسي أوام الله يكرمك يا عم زهير!
نهض ذلك الكهل من على مقعده فور أن وجدهما يقتربان منه وسحبه تجاههما مرددا دون تأخير
اتفضلي يا ست البنات.
عاونت إجلال رفيقتها على الجلوس ثم تركت الأكياس جانبا وراحت تجفف بطرف حجابها
شعرت فردوس وكأن رأسها يصبح أكثر ثقلا وجسدها أكثر تراخيا بدا من الصعب عليها التنفس بسهولة فحاولت حل طرفي حجابها لتسحب أنفاسا عميقة إلى رئتيها كانت قادرة على تمييز صوت زهير وهو يخاطب رفيقتها
ما الجو بصراحة النهاردة مش طبيعي.
ثم سمعته يكلمها بودية
ألف سلامة يا ست فردوس نجيبلك عصير ولا حاجة باردة تروقي بيها دمك
ردت عليه معتذرة وهي ترفع يدها ببطء لتشير له
مالوش لازمة دلوقتي هبقى كويسة.
تساءلت إجلال في جزع
إيه اللي جرالك بس ياختي ده إنتي كنتي كويسة وزي الفل.
بصوت واهن أجابت
مش عارفة بس آ...
وقتئذ حلت غيمة من الظلام على مدارك فردوس فشدتها قسرا إليها لټغرق فيها وتفقد وعيها. صړخت إجلال بفزع وهي تحتضن وجهها بيديها لتهزها منه
يا نصيبتي فردوس ردي عليا!
ضړب زهير كفا بالآخر واقترح في الحال
أنا هجيبلها كولونيا من عندي تفوقها
سارع في خطاه عائدا لداخل بقالته لكن إجلال طلبت منه في صوت مرتاع وهي لا تزال تحاول إعادة رفيقتها لوعيها
الله يكرمك يا عم زهير شوفلنا كده سي عوض إن كان موجود في الجامع اللي على الناصية ولا لأ.
رد عليها بصوته المرتفع
على طول أهوو.
ناولها زجاجة العطر ثم انطلق باحثا عن زوجها في المسجد القريب على أمل إيجاده لإطلاعه على ما أصاب زوجته فجأة.
بمعاونة بعض أهل المنطقة قام بنقلها إلى المستوصف الطبي المتواضع خاصة حينما عجزوا عن إفاقتها. ظل عوض منكفئا برأسه على المقعد المعدني المتأرجح يدعو الله في نفسه بتضرع ألا يصيبها مكروه كان مهموما وواجما فإن امتلك من المال ما يكفيه لأرسالها إلى مشفى آخر لديه من الإمكانيات الطبية ما يسعفها. لم تتركه إجلال بمفرده وعادت إليه لاحقا بعدما وضعت أكياس الطعام في بيتها جلست مقابلته واستطردت تكلمه
ربنا يطمنا عليها.
هز رأسه معلقا دون أن ينظر تجاهها
إن شاءالله خير ويطلع الموضوع بسيط...
تذكر عزوفها عن تناول الطعام مؤخرا فندم على عدم اكتراثه بهذه المسألة وقال في ضيق
هي بردك لازم تاخد بالها من صحتها بقالها كذا يوم مابتكلش كويس.
عاتبته إجلال باستنكار جلي
وإنت ساكت يا سي عوض 
أخبرها بشيء من التبرم
ما إنتي عارفة هي بأحوال وأنا مابرضاش أغصب عليها في حاجة.
ظلت على لومها فاستطردت
أهوو جت على دماغها في الآخر.
توقف كلاهما عن النقاش عندما جاءت إحدى الطبيبات من الداخل وهي توجه سؤالها إليهما
إنتو اللي جايين مع المړيضة اللي جوا
في التو انتفض عوض واقفا وسألها بلوعة وعيناه تتحركان في توتر
أيوه يا ست الدكتورة خير هي كويسة
نهضت إجلال هي الأخرى واستطردت تقول من تلقاء نفسها
أنا قولتلها بلاش نلف كتير في السوق بس هي صممت.
وزعت الطبيبة نظراتها بينهما وقالت بابتسامة لطيفة
اطمنوا هي بقت أحسن...
تنفس عوض الصعداء وشعر بالارتياح لكونها بخير لكن يبدو أن ذلك الشعور كان لحظيا حيث حل محله الارتياب التام عندما حذرتهما الطبيبة
بس لازما يبقى في راحة تامة الفترة الجاية.
تساءلت إجلال من فورها باستغراب
ليه
بوجه بشوش ونظرات متحمسة جاء رد الطبيبة بسيطا ومباشرا لكنه احتوى في طياته على أسمى معاني التعويض والإرضاء
عشان المدام حامل !!!
يتبع الفصل الثامن والعشرون
الفصل الثامن والعشرون
الغدر الموجع
وكأنها أميرة مدللة كل ما يأتي في بالها يجاب قبل أن تنطق به علنا نعمت فردوس منذ أن علمت بخبر حملها بسبل الراحة والاسترخاء حيث منعها زوجها من ممارسة أي أعمال منزلية شاقة قد تؤدي لإيذاء الوديعة الغالية التي أودعت في رحمها. وضعت الوسادة خلف ظهرها وهي راقدة على فراشها عندما رأت عوض مقبلا عليها حاملا بيده صينية مملوءة بكل ما لذ وطاب من الطعام. ابتسمت في رضا وقالت ممازحة
إنت مكبر الحكاية يا سي عوض.
لم يبد مهتما باحتجاجها الخجل من قيامه بتدليلها وأسند الصينية على طرف الفراش ليمسك بثمرة الليمون ويعصر قدرا منها على حسائها الساخن مدت يدها لتعترض على ما يفعل وهي تخبره
مافيش داعي تتعب نفسك.
رفع بصرها إليه وعلق عليها بمحبة صادقة
هو أنا بتعب لمين غير الغاليين
أعطاها الصحن الساخن لتتناول ما فيه ودعا لها في تضرع
ربنا يكملك على خير وتقومي بالسلامة.
بادلته نظرة استحسان كبيرة ثم ارتشفت القليل بالمعلقة قبل أن تسأله في شيء من التردد
نفسك ربنا يرزقك بإيه
لم يضع الوقت في التفكير وقال في حبور مبتهج
كله خير من عند الله كفاية إن ربنا إدانا هدية عظيمة من عنده.
هزت رأسها معقبة
ونعم بالله.
عم السكوت بينهما إلا من صوت ارتطام المعلقة بالصحن ليضيف عوض بعدئذ بصوت شبه جاد
بقولك أنا هسافر لأمي أعرفها يمكن تفرح بالخبر.
وافقت على طلبه دون معارضة وأوصته باسمة
وماله بس ماتطولش في غيبتك.
تبسم مثلها وهتف مشيرا بيده
مسافة السكة.
......................................
في وضح النهار وتحديدا في الفناء الفسيح الملحق ببيته الجديد وقف كلاهما ينظران بتدقيق إلى مجموعة من العلب الفارغة المتراصة على طاولة قديمة والمتواجدة على مسافة عدة أمتار من موضع وقوفهما. تأكد مهاب من ضبط وضعية إمساك وحيده بالسلاح الڼاري وراح يوصيه بتشدد رغم لين نبرته
عايزك تنشن صح إيدك ماتتهزش.
استجاب صغيرة بهدوء تام لما يمليه عليه وأصغى إليه بإنصات وهو لا يزال يخبره
ركز عينك وحدد هدفك إيدك تبقى ثابتة كده وماتدوسش إلا لما تبقى واثق إنك هتعرف تصيب الهدف.
أخذ أوس كل الوقت الذي يلزمه للاستعداد جيدا قبل أن يضغط على الزناد لينطلق بعدها العيار الڼاري مصيبا حافة الطاولة بدلا من العلب ظهر الإحباط عليه ومع ذلك خاطبه والده في هدوء كأنما يستحسن أدائه الأولي 
مش بطال.
لم يكن الصغير راضيا عن محاولته الفاشلة ونظر إلى أبيه بعينين حادتين ليعلق عليه الأخير بشيء من التشجيع
مرة فمرة هتتعلم.
تركه يعيد المحاولة وكان وشيكا من تحقيق هدفه فامتدح تطور مهاراته وظل يدعمه
برافو عاوزك تبقى بطل.
انشغل الاثنان بالتدريب على الرماية لوقت غير محدد إلى أن جاءت تهاني من الخارج لاصطحاب صغيرها حينما تفقدت ما يفعلان انخلع قلبها وحل الذعر بها ومع ذلك لم تحتج إلا حينما طلبت من طفلها الانصراف لتبديل ثيابه آنئذ راحت تلوم مهاب في ضيق منزعج يشوبه كذلك الخۏف لما اعتبرته من وجهة نظرها تهورا
إنت شايف يا مهاب إن دي لعبة مناسبة تعلمها ل أوس
حدجها بنظرة مهينة قبل أن يعاود ملء خزانة سلاحھ الڼاري بالطلقات وهو يخاطبها في لهجة صارمة
ما يخصكيش.
لن تنكر أن داخلها اړتعب من رؤيته هكذا وحاولت إشعاره بفداحة ما يقوم به بأسلوب آخر شبه معترض لكنه حذر
المفروض تشجعه يمارس رياضة مفيدة لجسمه وصحته
نظرا لها شزرا قبل أن يصوب فوهته تجاهها هاتفا في نبرة مھددة لا تخلو التجريح
إنتي دورك في حياة ابني معروف فبلاش تجيبي لنفسك الإهانة!
ارتعشت أطرافها وتراجعت عنه متوهمة أنه على وشك إفراغ ما في الخزانة بها لتصطدم بظهرها في صدر زوجها الذي تلقفها بذراعيها مانعا إياها من الانكفاء حينها شعرت تهاني بقليل من الأمان يغمرها واحتمت خلفه بينما وزع ممدوح نظراته المتعجبة بينهما ليتساءل بعدها في نبرة عادية
اتأخرت عليكم ولا إيه
أشاح مهاب ببصره بعيدا عن كليهما وقال بترفع
جاي في ميعادك مظبوط...
ثم راح يطلق في تتابع متزامن الطلقات الڼارية واحدة تلو الأخرى على العلب الفارغة ليصيبها جميعا وهو يكمل بشيء من التحذير الصارم
ويا ريت تعلم مراتك تلزم حدودها بدل ما أعلمها أنا بطريقتي وأظن إنها مش هتعجبها.
اشټعل وجهها ڠضبا من تحقيره المتعمد والمشوب أيضا بټهديد سافر فنظرت إلى زوجها بعينين حانقتين فما كان منه إلا أن طلب منها برجاء وهو يسدد لها هذه النظرة المصحوبة بإشارة من يده
تهاني .. خلاص من فضلك.
بالكاد تماسكت وأطبقت على شفتيها مانعة نفسها من التفوه بأي حماقة احتراما لتواجده ولتشعر كذلك طليقها السابق أن زوجها الحالي يشكل مكانة عزيزة في قلبها ارتفع حاجباها للأعلى في استهجان عندما أمرها ممدوح بصوته الهادئ
اسبقيني على العربية.
استنكرت ما يريده وقبل أن تفكر بإبداء اعتراضها منحها نظرة راجية من عينيه لتلتزم الصمت مجبرة حينما شرعت في الابتعاد عنهما أتى من خلفها صوت مهاب وهو يعلمها بلهجة صاحب القرار
أوس هيبات عندي النهاردة.
كظمت حنقها بصعوبة وعلقت بنبرة متشنجة دون أن تنظر تجاهه
براحتك.
ارتسمت على زاوية فمه ابتسامة صغيرة ما لبث أن تلاشت عندما أخبره ممدوح بخبث بمجرد اختفاء زوجته من محيط المكان
مبروك الشراكة الجديدة أنا عرفت من مصادري الخاصة بس الصراحة مافيش حاجة بتستخبى في البلد دي.
مرة ثانية ملأ مهاب خزانة سلاحھ بالطلقات وقال في عدم اكتراث
على كل حال إنت كنت هتعرف الموضوع مش سر.
ثم ناول رفيقه السلاح ليستخدمه في الرماية بعدما قام برص علب جديدة وهو لا يزال يكلمه في هدوء
هننتهي من الإجراءات الرسمية وهعلن عن ميعاد الافتتاح الرسمي للمستشفى.
فرد ممدوح ذراعه وحاول التصويب متسائلا ببسمته الماكرة
زي الفل وأنا معاك فيها طبعا
أجابه بإيماءة موافقة من رأسه فاستمر ممدوح يقول بنوع من الإلحاح
مسكني منصب كويس عيب يبقى صاحبي صاحب أكبر المستشفيات هنا وأنا أبقى حتت موظف صغير.
أشار
 

 

تم نسخ الرابط